٢٢‏/٠٤‏/٢٠٠٧

أوسكار - غداٍ

مجرد قراءة مسرحية للنص الكامل لإريك -مانويل شميت
أوسكار و السيدة الوردية
غدا ، في مسرح الروابط بجوار التاون هاوس ، وسط البلد
غالبا بعشرة جنيهات ، إن لم يجد جديد ، لكننا سندخل المدونين مجانا من حالفي القسم ، أو حاملي بطاقات عضوية تدوينية سارية
عمتم مساءا


٠٥‏/٠٤‏/٢٠٠٧

عن هذا الصباح

لا زال العالم في حركة دؤوب ، و يبدو أن كل حال يزول حقا ، فبالكاد ما أن أبدأ في الظن و القول باستقرار وضع ما ، فإنه لا يلبث و يتغير و يتبدل ، و إن كنت أتوق في أيامي هذه لبعض من ثبات ، و استمرارية ، و لكن تبقى القاهرة بكل جنونها و تعقلها ، و إيقاعها اللاهث الناعس ، هي القبس الأوضح لتضارب الأمثلة و تضارب ما يحويه عقلي..

-أ-
أسكن في حي برجوازي نعم ، حتى أنني أحيانا أتحرج من ذكر اسمه ، ولم يكن ذلك توقا مني لضخ بعض النبل في عروقي ، و لا رغبة في معاشرة الفتيات الأجنبيات اللاتي يفيض بهن شارعي الصغير ، و لكن يبدوا لي أن في مجتمعنا القاهري المحافظ ، قد كان السكن في أحياء كهذه هو السبيل الوحيد لقضاء وقت مع الفتاة التي أحب ، طال أو قصر ، بدون القلق حول الرأي العام في المنطقة المحيطة ، و بدون أن أعقد قراني واهبا إياها لقب "مدام" ...
هذه الميزة ، جعلتني منذ عدة أشهر مواطنا صالحا من هذا الحي ، أعرف باعة صحفه ، و باعة الخضر ، و السوبرماركت يوصل لي البيض و اللبن بدون أن يسأل عن عنواني ، فهم يعرفوني بصوتي الآن عبر الهاتف ، و أصبحت لي حياة في حي آخر كنت بالكاد أدخله طوال حياتي.
و لكن يبدو أن طباع أهل سائر القاهرة ، و سكان هذه المناطق لا ينسجمان بيسر ، و خاصة مع شعور أهل الحي بخصوصيتهم - و هي حقيقة -، و ربما بفساد محيط المدينة خارجهم .
و قد حدث أن كنت أسير لاستوديو الرسم الذي يكتريه بعض أصدقائي ، قريب جدا من بيتي ، و الحق ساعدتهم في إيجاده ، أملا أن تكون لي جيرة من وجوه آلفها ، و بينما كنت متجها نحوهم فيما بعد منتصف لليل ، وجدت كلبين راقيين كبيرا الحجم يلهوان في الشارع الصغير الخافت الإضاءة ، اقترب مني أحدهم هازا ذيله ، فأشرت له أن يقترب - أحب الكلاب بشكل مرضي - فما كان منه إلا أن بدأ في النباح بعصبية ، مما أثار حفيظة زميله الأضخم الذي عدى نحوي و هو ينبح بجهير الصوت.
فأضحى الكلبان يحصرانني و خلفي شجرة بلوط ضخمة ، و الكلاب تزمجر و تنمعني من الحركة ، ثارت ثائرتي ، و أخذت أصرخ مناديا بوابي المنطقة ، فخرجوا ينظرون ، و يعودون سريعا لعماراتهم بلا أي مساعدة.
علمت أن الكلاب حتما لأحد البهوات ، و هم لا يريدون التورط مع شخص بدا عصبيا مثلي ، لم تمر ثوان حتى خرجت من عمارة عتيقة سيدة أربعينية بقميص نوم قصير ، منادية على الكلاب..

السيدة: ياللـه يا براوني ، ياللـه يا بكسي .. تعالوا (جريا نحوها في هدوء)
السيدة : بس خلاص ( السيدة تتكلم عامية بطيئة تنطقها بالضغط على الأحرف بطريقة سيدات المجتمع)
أنا: دول كلاب حضرتك؟.... طب هو ينفع كده؟
السيدة: إيه ؟.. حصلك إيه يعني ؟ ..هم كانوا عملولك حاجة؟!
أنا: و أنا حاستنَّى؟! و بعدين ما هو رعبني و عطلني ، و بقاله وقت بيهوهو علي!!
السيدة: يبقى انت أكيد أكيد .. مش من المنطقة!!
أنا: نعم....؟!؟ لأ من المنطقة!!!
السيدة: منين؟
أنا: ١٧ شارع كذا!! و بعدين و هو لازم أبقى من المنطقة عشان أمشي؟ مش ممكن أمر كمواطن عادي آمن؟
السيدة: ما هم واخدين على كل الناس هنا ، و كمان هو ما عملكش حاجة!!
أنا: يا فندم رعبني .. ما هو العض مش كل حاجة!
السيدة: مش عيب تبقى كبير كده و بتخاف؟! لازم تتعلم تبقى شجاع شوية!
أنا: ....
السيدة: يالله يا براوني ، و على فكرة ، انت أكيد مش من المنطقة!
و غابت في بهو عمارتها الرخامي .. تتبعها الكلاب ..

و الآن أصبحت جملة " انت أكيد مش من المنطقة" مثالا للتندر بيني و بين أصدقائي ، نقولها كلما أخفق شخص في فعل شيء ، و لكن زملائي الرسامين في الاستديو أصروا على جلب كلب ضخم ، و إطلاقه على السيدة يوما ما ، و سؤالها: " انت من المنطقة؟"
عموما سنرى ...


- ب -

قصة أخرى ، فلظروف تصوير خاصة ، كنت أبحث عن ستوديو تصوير فوتوغرافي قديم يعود لبدايات القرن العشرين ، سألت صديق لي مصور أرمني من زملاء البار ، قال أنه يرشح ستوديو كيروب في وسط المدينة ، قابلت صديقي العجوز ذات صباح ، و سرنا وئيدا و هو يتكيء على عصاه ، إلى أن وصلنا لعمارة كيروب، و وجدته قد عرض بعض صور قديمة جداللحياة السياسية في مصر في مدخل عمارته ، صعدنا ، دخلنا الشقة القديمة ذات السقف العال ، و الإضاءة الخافتة ، و الصور الملحمية ، استقبلنا هاجوب كيروبيان ، و هو فضي الشعر ، غالبا ما تجاوز السبعين ، و بابتسامة ودود أرانا المكان ، و انبرى يحكي لنا عن تاريخ المصورين الكبار في مصر ، من فان ليو ، زولا ، ألبان ، عبر سافاريان مرورا بالكثيرين ، و كان يظن نجاح الأجانب " أرمن و نمساويين" في هذا المجال في لثلاثينات و الأربعينات ، عائد لأن المصريين كانوا لا يثقون في أن يصورهم مصري ، و مع أن هاجوب هذا مصري خالص ، قولا و فعلا ، رغم عائلته الأرمنية ، إلا أنه كد ربح كثيرا من أسمه المستعجم هذا - وفقا لما قال - .
شريهان بعدسة فان ليو

و هناك ، لفت نظري صورتان شديدتا الكبر ، و القدم ، لرجل أوروبي بنياشين و أوشحة ، أخبرني أنه ملك رومانيا ، و الصورتان تعودان للعشرينات ، و لهما بروازان ضخمان ، مذهبان و يحملان تاجا كبيرا أعلى البرواز في دقة لم أشهدها من قبل.
قال أنهما صورا على قماش حساس (بديل للورق في حينها) و تم تظهيرهما على ضوء النهار ، ثم تلوينهما باليد..
و لكن أهم ما لفت نظري ، كانت المرايات الموجودة في المكان ، و منها ما هو مثبت حول الشبابيك ، و بالسؤال علمت أنها "شراعة" كانت تستخدم قبل ظهور الفلاش ، لجلب ضوء اليوم من الخارج و توجيهه للداخل للتصوير به!
كان الرجل يصور بمرايات تعكس ضوء الشمس ، اسقط في يدي ، فإنني أصور بكاميرا ديجيتال ، و أعمل على تحسين الصور على الكمبيتر و لا أكف عن التذمر!
الخلاصة ، هذا كان إعلان دعائي لمحلات كيروب في شارع عماد الدين بالقرب من شريف ، الرجل يملك مجموعة ضخمة من إرث الصور يقتات منه ، و بالكاد يعمل الآن ، فأعتقد انه لا يطرق بابه أي راغب في التصوير في أزمنة كوداك فوتو ستورز.


- جـ -
بينما نحن جلوس على شرفة مقهى صغير يطل على المشهد الحسيني ، و ساحته الفسيحة ، كان الحوار يسري في عربية و انجليزية بين الحضور ، و كانت الجميلة روز تتحدث عن ذكرياتها مع المكان بطريقتها المختصرة و شديدة الإحكام في آن ، و كنت أسمع ، و بينما أعداد الحاضرين في آخذ في الازدياد ، و في نفس الوقت كانت تجلس عن بعد تلك الفتاة التي تروقني بشدة ، و بينما كذلك أهرب عادة من أي تجمع زاد عن الأربعة أفراد ، قمت على عجالة متعللا بشراء عروسة المولد .
و الحق كانت رغبة صادقة ، فقد لاحظت أن أبي لم يعد يأتي بها منذ ١٠ سنوات أو أكثر في دارنا ، أما عني ، فإنني أكتفي بعلبة الحلوى التي لا آكل أغلبها ، و لكني لا حظت أنني لم أر أيّاً من الباعة يعرض أو يبيع العروسة أو الحصان على الإطلاق.
سألت صبي القهوة (كان يبيع سيجارة ملفوفة لشخص ما) ، إن كان هناك من يبيع عرائس و أحصنة المولد - شعرت ببعض الخجل حينها - فرد بالإيجاب ، ووصف لي رجلا في شارع الموسكي.
سرت وحدي في الحي الذي كنت أغدوه طفلا مع جدتي طيب الله ثراها ، فقد كانت من سكان حي الحسين ، و كانت تسير بي طفلا دون السادسة مشترية الخضر و الخبز في شنطة خضارها المصنوعة من الحبال الرفيعة ، و القابلة للطي، و لا أذكر حينها أننا حملنا كيسا بلاستيكيا قط، و كانت لا تترك يدي أبدا ، و كنت أتضايق بشدة من كثرة الاتربة و الكسور في الشارع ، و المياه الموحلة التي أطأها بصندلي الصغير ، فقد كنت طفلا مدللا يقضي إجازة الصيف في القاهرة بعيدا عن قيظ الخليج ، و كنت هناك لا أنزل الشارع ، فقط نتحرك بسيارات مكيفة. و كانت تقص لي قصصا بينما نسير رحمها الله.
عثرت على البائع المقصود ، سألته ، فلم أجد سوى العرائس الصينية البلاستيكية ، مرتدية مسخا من ملابس ورقية أو قماشية شديدة التشوه و التخبط، مررت على ثلاثة غيره ، لم أجد سوى الصين أيضا.
سألت الأخير:

أنا: هو مالاقيش حد بيبيع عرايس مولد؟
البائع: ما هي قدامك أهيه يابيه!
أنا: يا سيدي لأ، عروسة بجد ، عروسة حلاوة!
البائع:آاااااه ، لا يا بيه ، ما تلاقيش خالص!
أنا: الموسكي كله مافيهوش ولا عروسة؟!
البائع: بص جرب تسأل في السيدة عيشة ، أو باب الشعرية، يعني بص في الحتت الشعبية.
أنا: شعبية؟!
البائع: آه يا صاحبي ، هنا ما تلاقيش.

لا أعلم ما هذا الزمان الذي جعل أهل الموسكي ، الغورية ينظرون لأحياء أخرى على أنها شعبية .. و لا أعلم ماذا سيقول أهل باب الشعرية ، و لا أعلم أين ذهبت عروسة المولد ، و حصان أبو زيد الهلالي، المغطى بورق ملون و مفضض.
عدت للشرفة/القهوة ، كانت روز تجلس وحدها بعدما انطلق غالب الحضور في جولاتهم الخاصة ، سألتني عن عروستها (فقد طلبت واحدة لنفسها هي الأخرى) ، حكيت لها ، قالت أنها حاولت مع حلواني في المنيل ، سألته عن العروسة ، قال أنه لا يأتي بها حتى لا يقول عنه الناس أنه متخلف!
أجابته روز بحكمتها المعهودة: بالعكس ، حيقولوا عليك أصيل...

ساحة الإمام الحسين بالقاهرة


- د -

فاصل إعلاني : أعتقد أن ما كتبه بيسو ، و أسماه روجرز ، هو أحد أفضل النصوص التي قرأتها في الآونة الأخيرة ، و لا أعلم ما سبب إصراره على تسمية هذا النص "لعبة" ، فقد ابتلانا الله بكتاب يكتبون ماهو أكثر تهلهلا ، و سخفا ، و لا يتحرجون من تسمية هرائهم هذا بالرواية ، أو النص النثري ، أو القص المنثور أو أي من هذا العبث، في حين أنني أرى روجرز كعمل أدبي قوي و مهم ، أدعو الناس لقرائته ، و عدم المشاركة في "اللعبة" ، فقط القراءة على موسقى بنك فلويد كما ينصح الكاتب ، و إن كنت قد قرأت نصفه الثاني على موسيقى جوتان بروجكت ، و أحدثت تأثيرا جيدا هي الأخرى.
التحميل من هذه الوصلة.



- هـ -

استيقظت صباح اليوم وحيدا في بيتي لأول مرة منذ فترة ليست بقليلة ، كان الجو هادئا إلا من موسيقى بطيئة تنساب لغرفة نومي من الشارع ، فتحت عينْي ، كانت الثامنة و الربع صباحا ، و أخذت أرهف السمع في كنه هذه الألحان ، كان قداسا.
يبدوا أن صوت صلوات أسبوع الآلام في الكنيسة الصغيرة في الشارع الصغير خلف بنايتي قد عرفت طريقها إلي ، شعرت بسلام ما ، و رغم كون اللغة غير مفهومة لي ، إلا أنني شعرت بألفة شديدة ،كانت الشمس تدخل غرفة نومي عبر ثنايا الشيش الطويل ، قلت هامسا " ... و اغفر لنا خطايانا ، لأننا نغفر للذين يسيئون إلينا ، و لا تدخلنا في التجربة ، و لكن نجنا من الشرير".
و أزحت الغطاء ، و نهضت ، كانت الزهور التي جلبتها من معرض زهور الربيع تتفتح ، مرسلة عبيرا في غرفتي ، رغم تحذيرات أصدقاء و صديقات بخطر وضع الزهور حيث أنام ، لكني لم أكترث ..
كنت سعيدا بأنني كما يوقظني الأذان فجرا (و ظهرا و عصرا....) اليوم يوقظني القداس ، فتحت الشباك ، كانت الشمس جميلة ، و الصوت الآن أوضح ..
بدون أن أغسل وجهي ..
رششت الزهور برذاذ الماء.
صنعت بعضا من شاي
فتحت جهازي
و بدأت في كتابة كل ما سبق
و لا زال القداس ينساب.....


المدونة و التدوينات ، بلا حقوق فكرية ، باستثناء الأعمال الفنية و الموسيقات فهي ملكية خاصة لأصحابها.

  ©o7od!. Template by Dicas Blogger.

TOPO